مستقبل التمويل العام

مستقبل التمويل العام

Download docx

بيان جماعي بمناسبة يوم الأمم المتحدة للخدمات العامة - 23 يونيو 2025

عشية انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية (4)، مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية

إن أقل من خُمس أهداف التنمية المستدامة التي تم تحديدها قبل عقد من الزمن؛ تسير حاليًا على الطريق الصحيح لتحقيقها في عام 2030، والسبب الرئيسي في ذلك هو استمرار النقص المزمن في تمويل الخدمات العامة في جميع أنحاء العالم. فثلاثة أرباع البلدان ذات الدخل المنخفض تنفق على خدمة الديون أكثر مما تنفق على الصحة، ونصف هذه البلدان تنفق على سداد الديون للدائنين الأثرياء أكثر مما تنفق على التعليم. كما أن القواعد الضريبية والتجارية العالمية غير العادلة تسهل استمرار تدفق الموارد التي تشتد الحاجة إليها إلى خارج بلدان الجنوب. وفي الوقت نفسه، لا تزال السياسة الافتراضية لصندوق النقد الدولي تتمثل في فرض التقشف، وخفض الإنفاق على الخدمات العامة؛ وبالتالي تقويض النضال ضد الفقر، وعدم المساواة. ولكن كل هذا يمكن ويجب أن يتغير!

يأتي يوم الأمم المتحدة للخدمات العامة هذا العام قبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من انعقاد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FFD4). ويُعقد هذا الاجتماع الذي تستضيفه الأمم المتحدة في إشبيلية - وهي مدينة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاستعمار الأوروبي للأمريكتين - ومن المفارقات أنه يوفر أفضل فرصة منذ جيل لإصلاح الهيكل المالي العالمي وإنهاء الاستعمار. وهذا أمر ضروري إذا ما أرادت الدول عكس مسار عقود من التخفيضات والبدء في التمويل الكامل للخدمات العامة الشاملة والمنصفة والمحوِّلة للنوع الاجتماعي.

ومع وجود 54 بلدًا يواجه الآن أزمة ديون، من الواضح أن هناك حاجةً ماسة إلى إلغاء الديون على نطاقٍ واسٍ إذا ما أرادت البلدان الاستثمار في الخدمات العامة الجيدة. وبالمثل، في سنة اليوبيل هذه، وفي حين أن إلغاء الديون أمرٌ ضروري، إلا أنه ليس كافياً. فقد تم إلغاء أكثر من 100 مليار دولار أمريكي من الديون في عام 2005، ولكن مع عدم الاتفاق على أي تغييرات في نظام التمويل غير العادل الذي تسبب في الأزمة، تجد معظم البلدان ذات الدخل المنخفض نفسها اليوم في مواجهة أزمة جديدة أكثر حدة؛ لذا يجب أن يكون عام 2025 هو العام الذي يتم فيه تحويل البنية الدولية المتعلقة بالديون من خلال وضع اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن الديون السيادية، ووضع اتفاقيات عالمية جديدة حول الإقراض والاقتراض المسؤول، ونقل السلطة على الديون من صندوق النقد الدولي إلى هيئة تمثيلية تابعة للأمم المتحدة. إن هذا التحول في هيكل الديون أمرٌ ضروري إذا ما أرادت البلدان الحصول على الموارد اللازمة لتحويل الخدمات العامة. ولحسن الحظ، فإن إصلاح نظام الديون العالمي هو مطلب أساسي لكل من الدول الأفريقية وآلية المجتمع المدني لتمويل التنمية في مؤتمر تمويل التنمية الرابع - ولكن يتم عرقلة ذلك من قبل الدول الغنية والدائنين من القطاع الخاص، الذين يستفيدون من ظلم النظام الحالي.

وتزيد أزمة المناخ من إلحاح قضية الإصلاح الجوهري لهيكل التمويل، حتى يتسنى للبلدان الاستثمار في الخدمات العامة الشاملة كجزء أساسي من عملية انتقال عادلة. ومن الواضح الآن، أن أزمة الديون وأزمة المناخ مترابطتان، حيث تضطر البلدان المثقلة بالديون إلى كسب العملات الأجنبية بسرعة، وبالتالي تضطر إلى الاستثمار في استخراج الوقود الأحفوري والزراعة الصناعية - وهما أكبر سببين لأزمة المناخ. ومن ناحية أخرى، فإن البلدان الأكثر عرضة لأزمة المناخ تعتبر "عالية المخاطر" بالنسبة للاستثمار، وبالتالي تُفرض عليها أسعار فائدة أعلى على القروض (خاصة بعد الكوارث الناجمة عن المناخ)، مما يسرع من احتمال حدوث أزمات الديون وحجمها. ولكننا في حاجة ماسة إلى النظر إلى الصورة الأكبر للديون والتساؤل، مَن يُدين مَن؟ يُظهر التحليل الأخير أن البلدان الغنية ذات الانبعاثات العالية في الشمال العالمي مَدينةٌ بديْنٍ مناخي ضخم للبلدان ذات الدخل المنخفض، لأنها استولت على المشاعات الجوية (تلويث الكوكب والتسبب في أزمة المناخ). وللأسف، لا يوجد هيكل عالمي موثوق به لفرض سداد هذه الديون المناخية - وهي أكبر بكثير من الديون الخارجية المفروضة بوحشية على جميع البلدان ذات الدخل المنخفض. يجب أن يتغير هذا، مع إصلاح الهيكل العالمي والتزام الدول الغنية بتقديم تمويل مناخي لسداد هذه الديون المناخية - والذي يجب أن يأتي على شكل منح (وليس قروضًا للبلدان المثقلة بالديون بالفعل) - مع الالتزام بدعم انتقال عادل قائم على أنظمة عامة مُمولة من القطاع العام.

وفي قمة الهيكل المالي الجائر الحالي يقع صندوق النقد الدولي (IMF)، الذي يديم نظامًا اقتصاديًا عالميًا مكّن الشركات متعددة الجنسيات والدائنين والدول الغنية، بينما يحبس البلدان ذات الدخل المنخفض في دورات مفرغة من الديون والتبعية التي تديم نفسها بنفسها. وتشير التقديرات إلى أنه مقابل كل دولار أمريكي واحد شجع صندوق النقد الدولي الحكومات على الإنفاق على الخدمات العامة، طلب منها أن تقتطع ستة أضعافه من خلال تدابير التقشف. وقد ترسخت طريقة عمل صندوق النقد الدولي خلال برامج التكيف الهيكلي التي فقدت مصداقيتها في الثمانينيات، عندما فرض تقشفاً شديداً على الإنفاق العام في الدول التي حصلت على قروض. وكانت العديد من هذه الدول قد حصلت مؤخراً على استقلالها من نفس الدول الدائنة التي تسيطر على صندوق النقد الدولي. أما اليوم، فقد تغير الخطاب، لكن صندوق النقد الدولي يواصل تنفيذ أجندته التقشفية في الممارسة العملية، مما أدى إلى تخفيضات متكررة وتجميد فواتير أجور القطاع العام، حتى في البلدان التي تعاني من نقص حاد في العاملين في القطاع العام في الخطوط الأمامية. ومع ترك الخدمات العامة تعاني من نقص في التمويل، تتعرض الحكومات لضغوطات مستمرة من أجل إضفاء الطابع التجاري والخصخصة والشراكات غير المتكافئة بين القطاعين العام والخاص التي تقدم الربح على حساب الناس.  

ويتعلق جزء من التحول في النظام المطلوب لتحويل الخدمات العامة بالعدالة الضريبية. وهناك حاجة ماسة إلى إصلاحات ضريبية طموحة وتدريجية على المستويات العالمية والوطنية والمحلية. فتآكل الوعاء الضريبي، وتحويل الأرباح، والتهرب الضريبي يمنع الحكومات، ولا سيما حكومات بلدان الجنوب، من تعبئة الإيرادات المحلية التي تعتبر ضرورية لتمويل الخدمات العامة بشكلٍ مستدام. ولكي تكون عملية صنع القرار العالمي بشأن الضرائب عادلة وتمكين البلدان من اعتماد إصلاحات ضريبية تصاعدية على المستوى المحلي، يجب أن تبتعد عن أوجه القصور الديمقراطية التي تعاني منها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). فعلى مدار 60 عاماً، قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بوضع القواعد الضريبية العالمية، ممثلةً بذلك مصالح الدول الغنية، لا سيما الشركات والأفراد الأغنياء. وفي أعقاب الدعوة الناجحة التي قامت بها الدول الأفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، هناك الآن اتفاق على وضع اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن التعاون الضريبي الدولي، والتي يمكن أن تؤسس نظاماً عالمياً أكثر شفافية وإنصافاً ومساءلة لإدارة الضرائب العالمية التي ستفيد جميع الدول. نحن ندعم بشكلٍ كاملٍ تسريع التقدم في هذه الاتفاقية ويجب أن نضمن ألا يُقوِض مؤتمر تمويل التنمية الرابع هذه العملية القائمة بأي شكلٍ من الأشكال. كما أننا ندعم الحاجة إلى البناء على القيادة التاريخية للبرازيل في مجموعة العشرين العام الماضي والتي وضعت الضرائب على ثروة الأفراد فاحِشي الثراء بقوة على جدول الأعمال العالمي.

في عام 2025، نشهد تخفيضات هائلة في ميزانيات المساعدات، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، إلى جانب زيادة الإنفاق على الجيش. يبدو أن الدول الغنية تريد عزل نفسها بدلاً من بناء الجسور.  في هذه الأثناء، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن القطاع الخاص لا يستطيع ولن يستطيع سد الثغرات! إن نهج "من المليارات إلى التريليونات"، الذي كان يهدف إلى الاستفادة من التمويل العام لإطلاق الاستثمار الخاص في البلدان النامية، لم ينجح إلى حدٍ كبير، وقد ندد به مؤخرًا كبير الاقتصاديين في البنك الدولي. ما نحتاجه على وجه السرعة هو تنظيم عام قوي للجهات الفاعلة الخاصة، ودولة قوية خاضعة للمساءلة تقود التمويل، وتقديم خدمات عامة عالية الجودة. ومرة أخرى، يضيف هذا الأمر الحاجة الملحة إلى ضرورة إجراء إصلاحات عالمية للتصدي للظلم في الديون والظلم الضريبي والتقشف كأساس لبناء دول قادرة على احترام حقوق الإنسان وحمايتها وإعمالها. ستكون هناك حاجة دائمة إلى إرادة سياسية محلية وعمل وطني، ولكن في ظل النظام العالمي غير العادل الحالي، حتى الحكومات التقدمية تكافح لتمويل الخدمات العامة الشاملة.

لحسن الحظ، هناك زخم عالمي متجدد حول قضية المالية العامة والخدمات العامة. ففي أواخر عام 2022، اجتمع أكثر من ألف ممثل من أكثر من مائة دولة في شيلي تحت شعار "مستقبلنا عام". وضع إعلان سانتياغو للخدمات العامة جدول أعمال جماعي من النقابات العمالية والمنظمات والحركات العاملة في مجموعة واسعة من الخدمات العامة، بما في ذلك التعليم، والصحة والرعاية، والطاقة، والغذاء والتغذية، والإسكان، والمياه، والنقل، والضمان الاجتماعي. لقد رفعنا صوتنا ضد الاستغلال التجاري والخصخصة التي تضر بالحقوق، مدركين أن ذلك أدى إلى تزايد عدم المساواة والظلم. وانتقدنا بشكلٍ جماعي الهياكل والعقليات الاستعمارية التي لا تزال تقود النقص المزمن في تمويل الخدمات العامة. كما أَدنّا البنية المالية الدولية الحالية التي تُبقي الغالبية العظمى من سكان العالم يعيشون في فقر.

يجب أن تلتزم قمة تمويل التنمية بميثاقٍ اجتماعي جديد يَضمن نظاماً مالياً عالمياً يعطي الأولوية للناس والكوكب على الربح، ويمكّن الدول الأعضاء من تقديم الخدمات العامة الشاملة والضمان الاجتماعي للجميع. نؤكد من جديد أن هناك بدائل واضحة للوضع الراهن، وكثير منها منصوص عليها في البيان العالمي للخدمات العامة، والبيان بشأن إعادة بناء التنظيم الاجتماعي ذي الصلة للرعاية، ومستقبلنا عام: إعلان ديمقراطية الطاقة. وندعو إلى تحقيقها وإصلاح النظام المالي الدولي الذي عفا عليه الزمن.

في يوم الأمم المتحدة للخدمات العامة هذا، نَضُمُ جهودَنَا مرة أخرى لنُكررَ مطالبتنا بمستقبل عام للتمويل. في الأسبوع المُقبل في إشبيلية، نحتاج إلى أن تتحلى الحكومات بالجرأة في الاتفاق على وثيقة ختامية من شأنها أن تحدث تحولاً حقيقياً في هيكلية التمويل غير العادلة حتى نتمكن من تسريع وتيرة التقدم نحو خدمات عامة جيدة للجميع، أينما كانوا يعيشون.

مؤيد من:

  1. Action against Hunger France

  2. ActionAid International 

  3. Africa Network Campaign on Education for All (ANCEFA)

  4. Amnesty International

  5. Arab Campaign for Education for All (ACEA)

  6. Arab Network for Popular Education (ANPE Lebanese Coalition)

  7. Asia South Pacific Association for Basic and Adult Education (ASPBAE)

  8. Brazilian Campaign for the Right to Education

  9. Bretton Woods Project

  10. Campaña Latinoamericana por el Derecho a la Educación-CLADE

  11. Center for Economic and Social Rights (CESR)

  12. Education International

  13. eduCoop

  14. Enginyeria sense Fronteres

  15. Enginyeria sense Fronteres

  16. Eurodad

  17. Global Campaign for Education (GCE)

  18. Global Initiative for Economic, Social and Cultural Rights (GI-ESCR)

  19. Global Social Justice

  20. Institute for Economic Justice

  21. International Association for Hospice and Palliative Care

  22. National Campaign for Education Nepal (NCE Nepal)

  23. Network for Education Watch (NEW) Indonesia

  24. Oxfam

  25. Paropakar Primary Health Care Centre PPUK

  26. Public Services International (PSI)

  27. Right to Education Initiative

  28. RTE Forum, India

  29. Society for International Development (SID)

  30. Solidarité Laïque

  31. Tax and Education (Tax Ed) Alliance

  32. Tax Justice Network

  33. The Alternatives Project (TAP)

  34. Transnational Institute (TNI)

  35. World Organization for Early Childhood Education – OMEP