سياسات صندوق النقد الدولي وآثارها على مصر والدول العربية

كتب هذا المقال الدكتور شريف مصري، رئيس النقابة المستقلة للعاملين بمكتبة الإسكندرية، نقابة منتسبة إلى الاتحاد الدولي للخدمات العامة. ويفصّل فيه الآثار السلبية لسياسات صندوق النقد الدولي على المنطقة العربية، وعلى مصر بوجه الخصوص. إن قروض صندوق النقد الدولي هي من أهم الوسائل التي تنتهك سيادة الدول التي تقترض منها.

د. شريف المصري*

منذ أن تبلورت فكرة إنشاء صندوق النقد الدولي في يوليو 1944 والذي كان الهدف من إنشائه إعادة هندسة المنظومة الاقتصادية والمالية الدولية سعياً لتفادي المزيد من الكوارث الاقتصادية كتلك التي عصفت بالعالم على مدى النصف الأول من القرن العشرين وخلقت مناخاً خصباً للحروب الشاملة المُهلِكة. إلا أنه قد تحول إلى سلطة تسيطر وتتحكم في السياسات الاقتصادية والمالية للكثير من الدول لا سيما دول العالم النامي. وبدلًا من أن تؤدي سياسات وبرامج الصندوق إلى تنمية وازدهار الدول النامية، فشلت هذه السياسات فشلا ذريعًا في إخراج شعوب هذه الدول من التخلف الاقتصادي والبؤس الاجتماعي وأدخلتها في أزمات طاحنة وأغرقتها في مشكلات الديون.

وتعد القروض التي يقدمها الصندوق أحد أهم الوسائل في انتهاك سيادة الدول التي تقترض منه، حيث تُعتبر الديون المـُثقَلة بشروط قاسية تحت مُسمّى "التعديل البنيوي" أداةً للهيمنة الإمبريالية ووسيلةً خفية لوضع اليد على السياسات الاقتصادية والخارجية في البلدان النامية.

إنّ تركيبة المديونية في دول الجنوب العالمي أصبحت بمثابة استثمارٍ اقتصادي سياسي من قِبَل الدول الكبرى، وخصوصاً في تطبيقها على الدول العربية التي أصبحت ساحةً للصراعات الدولية والإقليمية، بحيث أنّها "استثمارٌ في احتواء القرار والقدرة السياسية والعمل السياسي المناهض للإمبريالية في المنطقة". وبإمكاننا أن نستشفّ استمرارية واضحة ما بين السياسات التاريخية لقوى الاستعمار وممارسات المؤسسات المالية الدولية الحديثة، آخذين تجربة مصر في القرن التاسع عشر كمثال ذي دلالة على ذلك. فقد أدت استدانة الدولة المصرية من الدول الأوروبية في ذلك الحين إلى تسليم القرارات المتعلقة بخزينتها إلى هذه القوى بعد تخلّف الدولة عن سداد الديون، ومن ثم إلى "الإعفاء من الديون" مقابل التنازل عن حق التحكّم بقناة السويس، وانتهاءً بعد ذلك بالاحتلال العسكري بحجة الحفاظ على الممتلكات الأوروبية. وهكذا يلعب الاقتراض دوراً أساسياً في تقييد الخيارات السياسية-الاقتصادية لدولٍ سيادية (ولو شكلياً)، ويمهّد لإخضاعها لمنظومة مالية واقتصادية دولية تابعة لمصالح الدول الكبرى التي أنشأت هذه المنظومة.

هكذا أصبح صندوق النقد الدولي يؤثر بقوة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية في عدد من البلدان العربية، حيث يبرز بشكل جلي طابعها التقشفي مع ما يصاحبه من تداعيات سلبية على المسألة الاجتماعية بصفة عامة والحماية الاجتماعية ودعم المواد الأساسية بصفة خاصة.

يمارس الصندوق رقابة مباشرة على السياسات العامة العريضة للحكومات، حتى أصبح الصندوق بمثابة مؤسسة فوق قومية مهيمنة على الكثير من الدول، خاصة تلك التي سقطت في فخ المديونية.

ولكي يُحكم الصندوق سيطرته منذ وقت مبكِّر روّج صندوق النقد الدولي بمعية البنك الدولي ابتداء من الثمانينات ما اصطلح على تسميته: "توافق واشنطن" المبني على ثلاث ركائز: تحرير أو لبرلة الاقتصاد، الخصخصة، التقشف.

ويكتسي تدخل المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي، في المنطقة العربية طابعاً خاصاً باعتبار تشابك ما هو اقتصادي مع ما هو استراتيجي وسياسي، حيث تدل الدراسات التجريبية على أن منح القروض والإعانات، يخضع لمحددات اقتصادية تتأثر كثيراً بالمصالح السياسية والاستراتيجية مثل درجة القرب والصداقة من الدول الغربية، الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، تزويد الغرب بالبترول، مشاكل الهجرة والإرهاب ...إلخ. فالحاجة الاقتصادية وحدها لا تفسر حقاً توقيت قروض صندوق النقد الدولي.

ويكفي أن نعرف أن أمريكا وحدها لها حق الفيتو، حيث أن عمليات التوزيع العامة لمخصصات حقوق السحب الخاصة تتطلب موافقة مجلس المحافظين بأغلبية 85% من مجموع القوة التصويتية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لها 16.5% من مجمل التصويت في مجلس الإدارة الأمر الذي يضمن قدرتها على التحكم بالنهج العام الذي يتبعه الصندوق.

ونلاحظ أن الإجراءات التقشفية الأكثر شيوعاً في العالم العربي تتمثل في التقليص من الدعم المقدم للمواد الأساسية، وتخفيض أو تجميد كتلة الأجور في القطاع العام، وكذلك الزيادة في الضرائب على الاستهلاك، كما شمل إصلاح أنظمة التقاعد وإحداث شبكات الأمان الاجتماعي.

وقد أدى ذلك إلى عواقب سلبية على مستوى التنمية البشرية في العديد من البلدان العربية التي تشكو من نقص كبير في الطاقات البشرية المتوفرة من مدرسين وأطباء وممرضين وعاملين في الحقل الاجتماعي.

كما أن تجميد الأجور وعدم تعديلها لتتماشى ومعدل التضخم، أضر بالقدرة الشرائية للعاملين في القطاع العام، خاصة في القطاعات الاجتماعية الحيوية، مما أدى إلى زيادة ظاهرة الغياب عن العمل وتنامي العمل في القطاع غير الرسمي وتفاقم هجرة العقول والكفاءات إلى الخارج، وسيؤدي كل هذا إلى تراجع ملحوظ في الخدمات العمومية المقدمة، خاصة في الأحياء الشعبية بالمدن وفي القرى.

ومن أوضح الأمثلة على فشل سياسات الصندوق ما حدث في تجربة دول شرق آسيا في أواخر التسعينيات، حيث عصفت بها أزمة مالية في العام 1997 وكثيراً ما يُشار إليها كخير دليلٍ على مخاطر اللجوء إلى الصندوق.

ومثال آخر هو ما حدث ويحدث حاليًا في لبنان الشقيق الذي استمر بعد انتهاء الحرب الأهلية الدامية باتباع نفس سياسته الاقتصادية الليبرالية. فقد قفزت ديونه من عام 1993 حتى اليوم من حوالي 7 مليار دولار إلى 89 مليار دولار. وقد تمحورت جميع شروط صندوق النقد في لبنان وغيرها من الدول العربية[1] على الخصخصة، وتقليص القطاع العام، وتخفيض الإنفاق الحكومي، وكف يد الدولة على صعيد وظيفتها في رعاية المجتمع وتأمين حقوق جميع فئاته لصالح تكريس مصالح القطاع الخاص التي أدت إلى انهيار منظومة الأمان الاجتماعي. وهذا السيناريو يكاد يتطابق في الكثير من الدول العربية التي لجأت واقترضت من الصندوق، ولكني سوف أركز أكثر على الحالة المصرية فأقول:

كما سبق أن أشرت فقد أدت استدانة الدولة المصرية من الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر إلى سيطرة هذه القوى على القرارات المتعلقة بخزينتها وفي آخر المطاف إلى استعمارها بدعوى حماية مصالح هذه القوى.

ووصولاً إلى الأزمة المالية الدولية في العام 2008 والثورة المصرية في العام 2011، طبّقت مصر إصلاحات هيكلية كبيرة لتسهيل النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أنّ هذه الإصلاحات لاقت النجاح في تحسين نسبي في النمو الاقتصادي، فقد فشلت الحكومة في أن تعالج بشكل مباشر المسائل المتعلّقة بالفقر والبطالة العالية (ولا سيّما بين النساء والشباب) وعدم المساواة والفساد. وقد شكّلت هذه المسائل جزءاً من العوامل الأساسية التي أدّت إلى معارضة حكومة حسني مبارك في العام 2011.

وفي 11 نوفمبر 2016، وقّع صندوق النقد الدولي ومصر اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار بهدف معالجة نقاط الضعف في الاقتصاد الكلّي وتعزيز النمو الشامل وتكوين فرص العمل. وقد شملت النقاط الأساسية في البرنامج الذي قدمه الصندوق تحريرَ نظام سعر الصرف (أي تعويم الجنيه المصري) وضبط أوضاع المالية العامة لخفض نفقات الموازنة وزيادة الضرائب وإجراء إصلاحات هيكلية عميقة وإلغاء تنظيمات مرتبطة بشركات الأعمال لتحفيز النمو الاقتصادي.

وقد انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل كبير أكثر ممّا توقّعه صندوق النقد الدولي نفسه، والأكيد أنّ انخفاض قيمة العملة قد رفعَ أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية وأسعار الأدوية. وبالإضافة إلى لجم الإنفاق الإجمالي على دعم الأسعار، قلّصت مصر أيضاً نفقات القطاع العام بموجب اتفاقيتها مع صندوق النقد الدولي في أغسطس 2016. ونتيجةً لإصلاحات كلفة الأجور، شهد إجمالي أجور القطاع العام انخفاضاً سنوياً مستمراً من نسبة 8.1% من إجمالي الناتج المحلي في 2014/2015 إلى 5.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2017/2018.

في غضون ذلك، وبهدف زيادة الإيرادات، فرضت الحكومة ضريبة على القيمة المضافة ورسوماً جديدة وباعت أيضاً أراضيَ وتراخيصَ لقطاع الاتصالات. وقد بلغت الضريبة على القيمة المضافة 14% على معظم السلع والخدمات في 2018. وكان آخر توسع في تطبيق هذه الضريبة منذ أيام حيث طبقت أيضًا على طلبات الدليفري. وتتجاهل سياسات من هذا النوع بالإجمال معاناة الطبقة الفقيرة في مصر. حيث تُرجّح بعض الدراسات أن تزيد سياسةُ الضريبة على القيمة المضافة نسبةَ السكان الفقراء في مصر (الذين يعيشون بأقلّ من 26 دولاراً في الشهر) من 27.8% في العام 2015 إلى أكثر 35% على الأقلّ. واللافت أنّ مصر قد وضعت هذه السياسة بعد أن خفّضت معدّلَ الضريبة المفروضة على فئة السكان ذات الدخل الأعلى من 25 في المئة إلى 22.5 في المئة في العام 2015، وقد اعتُبر هذا التخفيض كتخفيف من الأعباء الضريبية على أثرياء مصر.

كما أنّه لم يتمّ تخصيص سوى 14 مليون دولار من قرض صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 12 مليار دولار من أجل تحسين البنى التحتية للنساء المصريات، وهو مبلغ يبدو أنه من المستبعد أن يحسّن الأوضاع الحالية بشكل ملحوظ.

وتُعدّ أيضاً مسألة حصول المصريين الأقل حظاً على الأدوية الضرورية مصدر قلقٍ رئيسياً في أنحاء البلاد. فقد ارتفعت أسعار الأدوية بشكلٍ كبيرٍ بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري.

وانطلاقًا من نفس الفلسفة أصدرت الحكومة مجموعة من القوانين مثل قانون التأمينات والمعاشات (148 لسنة 2019) الذي ينتقص حقوق المحالين إلى المعاش الطبيعي أو المعاش المبكر. وقانون العمل المقدم حاليًا، على ما فيه من أوجه قصور شديدة في حماية حقوق العمالة غير المنتظمة وفي القلب منها عاملات المنازل. وكذلك قانون التأمين الصحي الشامل الذي يلزم الجميع بدفع حصة تأمينية لكل أفراد الأسرة وهو ما يمثل عبئًا على كاهل العمال خاصة العمالة غير المنتظمة.

كما تم تصفية وبيع الكثير من الشركات الكبرى المملوكة للدولة وتسريح عمالها، وكان آخرها شركة الحديد والصلب (صرْح ورمز من رموز سيادة مصر الصناعية).

وفي القطاع الصحي جاءت جائحة كورونا لتكشف (بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الدواء والخدمة الطبية عامة) ضعف المنظومة الصحية وبنيتها الأساسية المتمثلة في المستشفيات العامة وما يتعلق بها من تجهيزات وأطقم طبية وصحية بشكل عام، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء من الأطقم الصحية وخاصة من هم في الصفوف الأولى من الأطباء والمسعفين (والذين تم استبعادهم مثلا من صرف بدل المهن الطبية)، وذلك بحسب ما أكدته تقارير الزملاء في نقابة الأطباء، ونقابة الفنيين الصحيين، ونقابة الإسعاف (وهم من أعضاء الاتحاد الدولي للخدمات العامة، وقد ذكروا ذلك بالتفصيل في اجتماعات سابقة).

كما تم تسريح الكثير من عاملات المنازل خوفًا من نقل العدوى بفيروس كورونا، وأصبحن بلا أي دخل، وفي ظل غياب الحماية الصحية والاجتماعية لأكثرهن.

ويمكن التأكيد أن برنامج تسهيل الصندوق الممدّد في مصر لن يعالج مشاكل الفقر وعدم المساواة والفساد التي لا تزال تلقي بحملٍ ثقيل على كاهل مصر. لذلك، المطلوب وضع استراتيجية وطنية للتخفيف بشكل فعّال من الأثر السلبي لبرنامج تسهيل الصندوق الممدّد للحؤول دون تعرّض الفقراء في مصر لمعاناة هم بغنى عنها.

وقد أعلن صندوق النقد أنه استجابةً لجائحة كوفيد-19 فقد أجرى الصندوق زيادة مؤقتة في حدود الاستفادة من موارده بموجب أدوات التمويل الطارئ والحد السنوي المقرر لحجم الاستفادة الكلي من موارد الصندوق التي تقدم بشروط عادية. كذلك أنشأ الصندوق "خطة السيولة قصيرة الأجل" (SLL) لتقديم تمويل احتياطي للبلدان الأعضاء التي تتسم بسياسات وأساسيات اقتصادية بالغة القوة.

كما قام بزيادة كبيرة في موارد الإقراض المتاحة للبلدان منخفضة الدخل (LICs) اعتبارا من مارس 2020 استجابة للطلب غير المسبوق على التمويل الميسر من جراء جائحة كوفيد-19.

وتمت زيادة حدود الاستفادة السنوية من خلال الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر (PRGT) بصفة مؤقتة استجابةً لجائحة كوفيد-19 حتى 6 إبريل 2021. وبالإضافة إلى ذلك، تم مد تطبيق أسعار الفائدة الصفرية على القروض الميسرة حتى نهاية يونيو 2021، مع إبقاء سعر الفائدة على التمويل الطارئ ثابتا بشكل دائم عند مستوى الصفر. وتم تعديل الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون (CCRT) لتقديم مساعدات تخفف أعباء مدفوعات خدمة الديون للبلدان الأعضاء الأفقر والأضعف اقتصاديا.

وقد اتفق وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين في اجتماع عبر الفيديو منذ أيام (الأربعاء الفائت) على زيادة موارد الصندوق بواقع 650 مليار دولار حتى يتمكن من تقديم المساعدة على نحو أفضل للدول الأكثر تأثرًا حتى نهاية 2021. وأخيرا، تم تأمين موارد إضافية فعلية ومتعهد بها لغرض الإقراض بقيمة 16,9 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، استجابةً للطلب الكبير على التمويل الميسر من جراء جائحة كوفيد-19 وما ترتب عليها من صدمات اقتصادية. ومع الموارد المتاحة من قبل، يُتوقع أن تغطي موارد الإقراض المودعة في "الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر" الالتزامات التي تم التعهد بها في ظل السياسات الحالية حتى عام 2024.

إلا أن هذه الأمور كلها مؤقتة ومشروطة ومرتبطة بمصالح أمريكا والدول الكبرى وتضيف قروضًا واعباء جديدة وستبقى سياسات الصندوق كما هي من حيث الهيمنة، وأن الديون وفوائدها سوف تؤجل بعض الوقت فقط لحين الخلاص من جائحة كورونا ولم ترق إجراءات الصندوق إلى مستوى الواجبات التي كان ينبغي على الصندوق الالتزام بها لاسيما تجاه الدول الفقيرة.

وختامًا: يتبيّن مما تقدّم ومن تجارب العديد من الدول أنّ برامج الصندوق تأتي مرتهنة بالشروط التي تقيّد سياسات الدولة وتفضي في نهاية المطاف إلى انتهاك سيادتها من نواحٍ عدّة. كما أنّ ثمة ما يثير تساؤلاتٍ مشروعة حول تبعيّة الصندوق لمصالح الدول الكبرى، لا سيّما في ظل الفيتو الأميركي ونفوذ المؤسسات المالية الكبرى فيه.

وعليه، فالصندوق بجميع الأحوال لن يؤدّي دور المنقذ الأعلى الذي يدّعيه البعض، ولا بد من المضي على درب الإصلاح الجذري الداخلي في الدول العربية بدل الضياع في تمنيات الخلاص الخارجي.

دور التنظيمات النقابية في التصدي لهذه السياسات:

ونظرًا لكل ما سبق فإن على التنظيمات النقابية في مصر والعالم العربي التصدي لهذه السياسات، والتخفيف من تأثيراتها السلبية الخطيرة على العمال وأسرهم وعلى المجتمع بأسره بأن تقوم ببعض الإجراءات منها:

1- التنسيق بين التنظيمات النقابية المختلفة في الدول العربية للتوعية بمخاطر سياسات صندوق النقد الدولي، وضرورة كسر هيمنته والابتعاد عن مخاطرة الاقتراض.

2- تفعيل دور النقابات وتبنيها استراتيجيات وطنية واضحة لمجابهة تدخلات الصندوق والحد منها، ومعالجة المشكلات الناجمة عن سياساته الاستعمارية في المنطقة.

3- القيام بدور فعال في مساعدة العمالة غير المنتظمة لتجاوز ما تعانيه من مشكلات، ومساعدتهم في تكون نقابات فاعلة تمثلهم وتحمي حقوقهم وتضمن لهم حياة كريمة.

4- فتح حوار اجتماعي فعال مع الحكومة وعموم الشعب لإيجاد بدائل وطنية بعيدًا عن الاقتراض.

5- عمل دراسات دقيقة وواضحة للقوانين التي تتعلق بالعمال وبالحماية الاجتماعية وبالسلامة والصحة المهنية والسعي بكل الطرق لتعديل ما بها من مساوئ، والخروج بمقترحات أخرى أفضل، بل وطرح قوانين بديلة.

6- العمل على حماية حقوق العمّال بعد بلوغهم سن التقاعد والحصول على معاشات تقاعد عامة، وأنظمة تقاعد تضمن الأمن والتكافل.

7- عمل شبكات تواصل وضغط مع كافة منظمات المجتمع المدني.

8- التنسيق مع الاتحاد الدولي للخدمات العامة لتأمين الدعم التقني والمواد السياسيّة للنقابات المنتسبة، ومساندتها في ممارسة الضغط ومساعدتها على تثقيف أعضائها وتعبئتهم.

9- التنسيق والتضامن بين التنظيمات النقابية لتحقيق ما يسعى الاتّحاد الدوليّ للخدمات العامة إلى تحقيقه طبقًا لما أقره في مؤتمره المنعقد في جنيف بين 30 أكتوبر و3 نوفمبر 2017، خاصة ما يلي:

أ‌- النضال من أجل إدراج اتّفاقيّات منظّمة العمل الدوليّة الأساسيّة في الضمانات العمّاليّة للبنك الدوليّ.

ب‌- الضغط من أجل التأثير على سياسات المؤسّسات الماليّة العالميّة وأعمالها، لا سيّما تلك ذات الصلة بالخصخصة والتحيّز القائم على الجنس.

ج‌- المطالبة بالشفافية على مستوى الأسواق الماليّة وكافة الأطراف المعنيّين وفرض تنظيمات ملزِمَة.

د‌- المطالبة بفرض قيود على الاستثمارات التي تنطوي على مخاطر ومضاربة، من خلال اعتماد ضريبة ماليّة عالميّة على العمليّات الماليّة مثلاً؛ والسماح بضرائب عادلة.

هـ- المطالبة بأن يقع العبء الماليّ المترتّب على الحلول المقترَحة لحلّ الأزمة الماليّة العالميّة على كاهل من ولّد هذه الأزمة، وذلك من خلال زيادة الضرائب التجاريّة والضرائب على الأصول، وعلى نقل الأصول والأرباح الرأسماليّة والعمليّات الماليّة مثلاً.

و- إطلاق الإنذار عند أوّل تهديد بالخصخصة وتبليغ الرأي العام عندما يكون ذلك ممكنًا.

ز- المساهمة في منصّة الاتّحاد الدوليّ للخدمات العامة الإلكترونيّة المناهضة للخصخصة ونشر المعلومات على مستوى النقابة والحلفاء والأعضاء.

ح‌- المساندة في ممارسة الضغوط على المؤسّسات العالميّة، مباشرة وعبر حكوماتها ووكالات التنمية الوطنيّة، حتّى عندما لا يكون أعضاؤها في دائرة الخطر مباشرة.


[1] مثل تونس التي تسعى حاليا للحصول على أكبر قرض لها تصل قيمته 4 مليارات دولار، وفي مقابل ذلك تلتزم تونس بإصلاحات توصف بالموجعة وتتعلق برفع الدعم عن المواد الأساسية، وتخفيض من كتلة الأجور بنسبة 15%


* التعريف بالمؤلف:

دكتور شريف مصري، حصل على الدكتوراة في المنطق وفلسفة تاريخ العلوم من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، ويشغل منصب رئيس وحدة فهرسة المخطوطات بمركز المخطوطات، بمكتبة الإسكندرية، وهو رئيس النقابة المستقلة للعاملين بمكتبة الإسكندرية، نقابة منتسبة إلى الاتحاد الدولي للخدمات العامة.